2008-07-09

فاروق شوشة يتحدث عن جميلة العلايلي ورسالة الماجستير عنها


صحيفة الأهرام المصرية

44323
‏السنة 132-العدد
13ابريل
2008
‏7 من ربيع الآخر 1429 هـ
الأحد

جميلة العلايلي‏:‏ شاعرة الوجدان النسائي بقلم : فاروق شوشة
والتسمية للناقد الكبير الراحل الدكتور محمد مندور‏,‏ أطلقها عليها عندما كتب عنها في كتابه الشعر المصري بعد شوقي مشيرا إلي تقديم أحمد زكي أبو شادي لديوانها الأول صدي أحلامي ومقارنا بينها وبين الشاعرتين فدوي طوقان ونازك الملائكة في درجة التحرر من التقاليد في أشعارهن‏.‏

وظلت جميلة العلايلي‏(‏ مارس‏1907‏ ـ أبريل‏1991)‏ بعيدة عن متناول النقاد والدارسين باستثناء الوقفات واللفتات المتأملة في شعرها وحياتها للدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي والأستاذين أنور الجندي ووديع فلسطين‏,‏ حتي كانت هذه الدراسة الأدبية المتميزة للحصول علي درجة الماجستير‏,‏ قام بها الباحث أحمد محمد الدماطي‏,‏ وبذل فيها من عناء الدأب والبحث والتوثيق ماجعل منها وثيقة حية‏,‏ وعملا أكاديميا كاشفا يملأ الثغرات‏,‏ ويصوب الأحكام‏,‏ ويصحح المسار‏,‏ بفضل العون الذي تلقاه من ابن الشاعرة الأستاذ جلال سيد ندا والاشراف الدقيق للدكتور شعبان مرسي أستاذ الدراسات الأدبية‏.‏

وجميلة العلايلي واحدة من الأصوات الشعرية الأصيلة في جماعة أبولو الشعرية التي أسسها أبو شادي عام‏1932,‏ نشرت لها مجلة أبولو عددا كبيرا من قصائدها وقد صدر ديوانها الأول صدي أحلامي عام‏1936,‏ وبه قصيدتان من الشعر المنثور‏.‏ واحتفت به الحياة الأدبية‏,‏ فكتبت عنه الأديبة السورية وداد سكاكيني باعتباره أول ديوان شعري تنشره المرأة العربية في نهضتنا الحديثة‏,‏ متجاوزة شعر البدايات لعائشة التيمورية وملك حفني ناصف‏(‏ باحثة البادية‏),‏كما أشاد به عزيز أباظة ومحمد عبدالقادر حمزة ومحمود البدوي‏,‏ وزكي مبارك الذي قامت بينه وبين الشاعرة عاطفة عميقة كان من آثارها كثير من قصائده العاطفية وكتابه مجنون سعاد الذي يضم عددا من الرسائل المعبرة عن أشواقه وهيامه‏.‏ ثم أصدرت ديوانها الثاني صدي إيماني عام‏1976(‏ بعد أربعين عاما من الديوان الأول‏)‏ وجمعت فيه شعرها الصوفي والايماني‏.‏ أما ديوانها الثالث نبضات شاعرة فكان مقررا له أن يصدر في عام‏1951‏ وكتب مقدمته أبو شادي لكنه تأخر ثلاثين عاما فلم يصدر إلا في عام‏1981.‏ ويبدو أن رحيل والدة الشاعرة ثم رحيل زوجها وبعض إخوتها وأصفيائها حال بينها وبين إصدار هذا الديوان‏,‏ لانغماسها في حال من الأسي والانطواء والعزلة‏.‏ ويبقي للشاعرة بعد هذه الدواوين الثلاثة ديوانان مخطوطان هما همسات عابدة وآخر المطاف‏.‏

وقد أتيح لي التعرف علي الشاعرة ـ صوتيا ـ في ختام حياتها‏(‏ خلال الثمانينات‏)‏ عندما كانت تسمعني ـ تليفونيا ـ بعض مقطوعاتها الأخيرة أو وهي تعلق علي مااستمعت إليه في برنامج لغتنا الجميلة‏.‏كما تلقيت عددا من رسائلها التي ضمت بعض شعرها وطرفا من ذكرياتها مع الشعراء والأدباء في حقب الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات‏.‏ ومعظم شعرها نشر في مجلات الرسالة والأديب اللبنانية والثقافة ومجلتها التي كانت تصدرها الأهداف‏.‏وكانت جميلة العلايلي صاحبة صالون أدبي يؤمه عدد كبير من الأدباء وشعراء زمانها ومفكريه‏..‏ وقد كانت تتردد علي صالون مي وتلتقي فيه بعدد من أعلام العصر‏:‏ لطفي السيد والعقاد وسلامة موسي والشيخ مصطفي عبدالرازق وغيرهم‏,‏ كما تعرفت في صالون هدي شعراوي علي أحمد محرم ومختار الوكيل‏.‏ وبتأثير من مي وهدي شعراوي أسست جميلة صالونها الأدبي في المنصورة ثم انتقلت به إلي القاهرة ـ بمساعدة زوجها الصحفي سيد ندا ـ وكان من رواده‏:‏ زكي مبارك وأنور الجندي وإبراهيم ناجي ومحمد عبدالمنعم خفاجي وعبداللطيف السحرتي وعبدالعزيز عتيق وعلي الجندي وقاسم مظهر وغيرهم‏.‏يضم العالم الشعري لجميلة العلايلي دوائر عديدة متداخلة‏,‏ تجمع بين شعر الحب والطبيعة والشكوي والتأمل والشعر الصوفي الايماني والوطني والاجتماعي‏,‏ علي غرار ماتميز به شعراء جماعة أبولو من أمثال ناجي والصيرفي والوكيل وصالح جودت ورامي ومخيمر وغيرهم‏.‏

ويظل طابع التأمل ـ في الكون وأسراره ـ طابعا عاما يكسو شعرها بغلالة من الحيرة والشجن والإحساس العميق بالأسر‏,‏ والرغبة في الانطلاق وتحطيم القيود‏,‏ كما تظل الصياغة القريبة من لغة الكلاسيكية الجديدة في كثير من قصائدها‏,‏ لتصبح جامعة ومازجة بين فضاءين شعريين‏:‏ كلاسيكي ورومانسي‏.‏رحماك نفسي أجيبي ليوم تسآلي‏/‏قد ضقت ذرعا بأعبائي وأثقالي /قد ضقت ذرعا بما ألقاه فانطفأت /مشكاة خير هدت روحي لأفعالي/ فمن أكون؟ وماشأني؟ وماأملي/ ولم قدمتُ لهذا العالم البالي؟/ولم خلقت لهذا الكون وا أسفي؟/ولم ولدتُ؟ لماذا جاء بي آلي/ لئن ثني الدهر من سهمي وحاربني/ فما أبالي وحسب القلب آمالي/‏.‏ثم تقول في وضوح ساطع‏:‏أنا الأبية لا أبغي مهادنة/إن الصراحة أقوالي وأفعالي‏..‏القول أجمله ماكان أصدقه/وماأردت به تبديل أعمالي‏.‏

ولعل هذه الدراسة الأدبية الجديدة عن جميلة العلايلي أن تكون تذكيرا بشاعرة كانت محور اهتمامات جيلها‏,‏ والمحيطين بها من الشعراء والأدباء‏,‏ وحفزا إلي قراءتها من جديد‏,‏ ودعوة لنشر مايزال مخطوطا من شعرها حتي اليوم وهو كثير‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق